_انتصف النهار ولازالت مريم منبطحة في فراشها مع أن أمها ترجتها كثيرا حتى تنهض وتساعدها في أعمال المنزل ولكن دون جدوى ..انصرفت أخيرا عنها متذمرة من حالها ..أما مريم فانقلبت على وجهها وراحت غارقة في أفكار لا نهاية لها،عرفت أخيرا أنها تمتلك من جمال المظهر ما لا تمتلكه غيرها من الفتيات وتذكرت في هذا الخضم من الأفكار أن المتقدمين لطلب يدها كثيرون من بينهم" ضابط الشرطة" وتاجر كبير.. ،تقلبت في سريرها كثيرا ،ثم قامت وفتحت النافذة المطلة على الشارع المقابل وجالت ببصرها كثيرا الى أن استقر بصرها على مكتبة السنة لمالكها "مروان"،الفتى الذي كلما دخلت محله أشاح عنها بوجهه فلا ينظر اليها،وهي التي تلاحقها الأنظار أينما ذهبت..،جلست أمام مرآتها تمشط شعرها الطويل وتتساءل عن حقيقة مشاعر مروان نحوها مدركة بأنه قد أصبح شيئا مهما بالنسبة اليها حتى أنها لا تستطيع الا أن تفكر فيه،وأثناءها تذكرت شيئا..كتاب أهداها مروان في احدى زياراتها لمكتبته ولم تكن قد بدأت التفكير فيه وقتها،فأخرجت الكتاب من درج التسريحة؛كان بعنوان "المرأة المسلمة"...الآن فقط استوعبت ما يريده مروان منها ...
وبعد ثلاثة أيام خرجت بقرار حاسم مرتدية الحجاب وقصدت المكتبة بحجة أنها تريد اقتناء بعض الكتب،فدخلت و ألقت السلام فنظر اليها لأول مرة واتسعت ابتسامته قائلا:أنت الآن مثال للمرأة المسلمة...
ومرت الأيام على هذا النحو ومعها تغيرت مريم الى أحسن الأحوال فأصبحت تقوم بأشياء مهمة في البيت وأمست تلك الفتاة البارة لوالدتها النشيطة التي لا تفوتها العبادات...كانت أمها متعجبة للحال الذي آلت اليه ابنتها وأدركت أخيرا سبب هذا الإنقلاب المفاجئ،نعم لقد عرفت أن ابنتها باتت تحب ذلك الفتى المنعزل عن العالم ،حاولت مرارا وتكرارا أن تقضي على هذا الحب لأنها لطالما تمنت أن تزوجها لتاجر كبير أو ضابط شرطة ولكن مريم رفضت ذلك وأبت أن يشاركها حياتها الا ذلك الشاب المتمسك بدينه...
وفي يوم من الأيام نهضت مريم كعادتها في الصباح الباكر وأمها وانهمكتا في أعمال المنزل وفجأة سمعتا ضوضاء آتية من الخارج ،كانت كقصف الرعد،وما ان أقبلتا على النافذة حتى ظهر مروان يتقدم المتظاهرين ومن احدى شعاراته _ "لا ميثاق لا دستور،قال الله قال الرسول" _ ولما توسطوا الشارع اعترضت طريقهم فرقة مكافحة الشغب يتقدمها الضابط الذي لم يكن يجهله مروان لأنه كان أحد المتقدمين لمريم
فتقدم من مروان بثقة قائلا:لن تعبروا ..،هيجت هذه الثقة أعصاب مروان فزاد الوضع تأزما وتشابك الفريقان وتعالت أصوات الصياح وعويل النساء من الشرفات والنوافذ وبعد وقت غير قصير انجابت موجة العنف عن خسائر مادية وجرحى ومعتقلين كان على رأسهم مروان وبعض من رفاقه....
_وبعد ثلاثة أشهرقضوها في المعتقل تنفسوا جو الحرية من جديد وعرف مروان ما حدث في غيابه:لقد نهبت مكتبته، وشلت أمه، وتشرد اخوته، وسافر أبوه للبحث عن العمل،وتزوجت مريم من ضابط الشرطة
ولم يسمع أثناءها الا صوت الأمير عاد اليه مدويا :اقتلوا رجال الشرطة
اذن سيقتل ضباط الشرطة أو بالأحرى ضابط الشرطة..تربص به يوما وهو يغادر بيت أصهاره وأطلق عليه ست رصاصات ولاذ بالفرار وفي ضحى اليوم الثاني سارت المدينة في جنازة الضابط وتعالت الأصوات _"لا للإرهاب ،لا للإرهاب"_
ولكن السؤال: لماذاأقدم مروان على هذه الجريمة النكراء ؟
دفاعا عن مبادئه؟ أم دفاعا عن حبه؟
الوحيدة التي تستطيع الإجابة هي مريم ولكن الصدمة أخرستها
فهل من مجيب؟